خطاب الدوحة.. لماذا وصف السيسي إسرائيل بـ”العدو” الآن؟ دبلوماسيون يجيبون

القاهرة: بوابة اليوم الإخبارية
أحدثت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال القمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة صدى واسعًا في الأوساط العربية والدولية، وفرضت نفسها على الصفحات الأولى في الصحافة العبرية، التي توقفت مطولًا عند تصريحاته بشأن اتفاقيات السلام وسياسات إسرائيل، وقد تحوّل الخطاب إلى محور رئيسي لتحليلات الخبراء والمراسلين المتخصصين في الشأن العربي، نظرًا لما حمله من رسائل مباشرة إلى الداخل الإسرائيلي وصنّاع القرار في تل أبيب.
القمة التي استضافتها العاصمة القطرية يوم الإثنين، بمشاركة عدد من القادة العرب والمسلمين، جاءت لمناقشة سبل الرد على العدوان الإسرائيلي على غزة، غير أن كلمة الرئيس المصري لفتت الأنظار بقوة، بعدما وصف إسرائيل صراحةً بأنها “العدو”، في خطوة وُصفت بأنها الأولى من نوعها في الخطاب الرسمي المصري منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد 1979.
وقال السيسي في كلمته: “يجب أن نُغيّر من نظرة العدو نحونا، ليرى أن أي دولة عربية، مساحتها ممتدة من المحيط إلى الخليج، ومظلتها متسعة لكل الدول الإسلامية والدول المحبة للسلام، مؤكدًا: “لكي تتغير هذه النظرة، فإن الأمر يتطلب قرارات وتوصيات قوية، والعمل على تنفيذها بإخلاص ونية صادقة، حتى يرتدع كل باغٍ ويتحسب كل مغامر”.
إسرائيل عدو بغض النظر عن معاهدة السلام
وفي هذا السياق، يؤكد السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة الدوحة جاء قويًا ويعكس بصدق نبض الشارع المصري إزاء سياسات إسرائيل العدوانية في غزة، موضحًا أن الحرب الإسرائيلية تجري على بعد بضع مئات الكيلومترات فقط من القاهرة، بما يجعلها تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري.
وقال هريدي، إن “إسرائيل ستظل عدوًا لمصر والعرب، سواء وُجدت معاهدة سلام أم لم توجد”، معتبرًا أن ما عاشته المنطقة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد لم يكن سلامًا حقيقيًا بل “وهمًا”، سرعان ما كشفت الأحداث أنه لا يستند إلى أرضية صلبة، موضحًا أن: “الحقيقة التاريخية هي أن إسرائيل عدو وستظل عدو بغض النظر عن معاهدة السلام”.
وأضاف أن إسرائيل لم تحترم معاهدة السلام منذ اليوم الأول، إذ أن الاتفاقية لم تكن مقصورة على مصر وحدها، وإنما كان يفترض أن تمهّد لتسوية شاملة وعادلة مع العالم العربي والشعب الفلسطيني، غير أن “إسرائيل أجهضت هذه المعادلة منذ البداية بانتهاكاتها المستمرة”.
وشدد مساعد وزير الخارجية الأسبق، على أن ما يجري في غزة ليس مجرد حرب على الفلسطينيين، بل عدوان يهدد الأمة العربية والإسلامية برمتها، قائلاً: “القضية الفلسطينية ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل قضية الأمة كلها.. فتراب فلسطين هو تراب مصر، وتراب مصر هو تراب فلسطين”.
تعليق اتفاقيات التطبيع أقوى سبل الضغط
أكد السفير رؤوف سعد، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أنه بالنسبة لمسألة العلاقات بين مصر وإسرائيل، فالسلام مع القاهرة يختلف عن أي دولة أخرى، باعتبارها دولة كبيرة ذات إمكانات سياسية واقتصادية وعسكرية ضخمة، وهو ما يجعل رسائلها ذات ثقل خاص، مشيرًا إلى أن وصف الرئيس عبد الفتاح السيسي لإسرائيل بـ”العدو” خلال قمة الدوحة يُعد رسالة غير مسبوقة تعبّر عن قرب نفاد صبر القاهرة، مشددًا على أن الإدانات والبيانات والشجب لم تعد تجدي مع إسرائيل، وأن هناك حاجة إلى سياسة ردع واضحة.
وأوضح سعد، أن الردع لا يعني إعلان الحرب، فمصر لا تفضل هذا الخيار تحت أي ظروف، لافتًا إلى أن المواجهة ليست معركة سينمائية فيها طرف منتصر وآخر مهزوم، بل وضع قد يؤدي إلى انفجار إقليمي شامل، ومع ذلك فالرسالة التي حملها الخطاب كانت قوية، واضحة سياسيًا، وفيها إنذار وتصعيد وتوعية، حيث وجّهت أيضًا إلى الشعب الإسرائيلي مباشرةً لتحذيره من أن قيادته تدفعه نحو خسائر فادحة.
وأضاف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى من خلال التجويع والقتل والتهجير في غزة إلى أن يعود إلى الداخل الإسرائيلي بصفته “البطل المنتصر” لعلّه ينجو من السجن الذي ينتظره، مؤكدًا أنه يخوض سباقًا مع الزمن في خطته، ما يتطلب من الجانب العربي أن يواجهه بالسرعة نفسها.
وانتقد سعد الاكتفاء بالدعوة إلى تحركات المجتمع الدولي، قائلاً: “يدهشني أننا نطالب العالم بالتحرك ضد نتنياهو بينما نملك نحن أدوات قادرة على إيقافه فورًا عبر قرارات مناسبة”، مشيرًا إلى أن أقوى سبل الردع ضد إسرائيل هي وقف مسار التطبيع أو تجميده، موضحًا أن هذه الخطوة لن تكون موجهة إلى إسرائيل فقط، بل رسالتها الأساسية ستصل أيضًا إلى الولايات المتحدة التي تعيش حالة ارتباك وتخبط في سياستها الخارجية، إذ تتأرجح بين عدم القدرة على كبح نتنياهو وبين إعلان استنكارها لسلوكه.
وأشار السفير إلى أن إعلان إسرائيل عن هجوم واسع على غزة عقب القمة يعكس تصعيدًا خطيرًا في ظل الانتهاكات المستمرة، لافتًا إلى أن التساؤل حول إمكانية مراجعة اتفاقية كامب ديفيد يبقى واردًا في أذهان البعض، لكنه شدّد على أن تعليق الاتفاقية بالكامل قرار مصيري وخطير للغاية، لا يجوز طرحه أو الترويج له بلا حساب دقيق.
وختم سعد بالقول إن المعارك في عالم اليوم لم تعد تُدار عبر الجيوش فقط، بل من خلال الفكر السياسي المنظم والأدوات غير التقليدية، محذرًا من أن أي تسرع في اتخاذ قرارات قصوى قد يعرّض المشروع الوطني المصري لإعادة بناء الدولة والإنسان لمخاطر جسيمة، وأضاف: “علينا أن نردع إسرائيل بوسائل مدروسة لا تربك الوعي العام، وأن نوازن بين الحاجة إلى الضغط والحرص على أمن واستقرار مصر والمنطقة”.
خطاب السيسي في قمة الدوحة مثّل تحولًا مهمًا في الخطاب الرسمي المصري، من لغة التهدئة إلى لهجة التحذير الصريح، وبينما يرى الدبلوماسيون أن مصر لن تدخل في مواجهة مباشرة مع تل أبيب، فإنهم يجمعون على أن الرسالة حملت دلالات ردع وإنذار واضحة لإسرائيل، وأكدت أن القاهرة تملك أوراق ضغط سياسية ودبلوماسية قد تعيد رسم ملامح العلاقة مع تل أبيب في المرحلة المقبلة.
- للمزيد : تابع بوابة اليوم الاخبارية، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .