اللعب على وتر حساس.. قادة إيران يتجهون إلى نوع جديد من القومية بعد الهجمات الإسرائيلية والأمريكية

القاهرة: بوابة اليوم الإخبارية
فى أعقاب الهجمات الإسرائيلية والأمريكية المدمرة، يلجأ قادة إيران إلى نوع جديد من القومية، يمزجون فيه بين التراث الشعبى القديم والأناشيد الوطنية والطقوس الدينية الراسخة فى البلاد. تهدف هذه الخطوة إلى توجيه الغضب الوطنى وتحويله إلى دعم متجدد للنظام الدينى المُحاصر، الذى يواجه صعوبات اقتصادية متزايدة وتشككًا شعبيًا.
خلال مراسم عاشوراء هذا العام فى طهران – وهى مناسبة مقدسة لدى المسلمين الشيعة – انكشف مشهد غير متوقع. همس آية الله على خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، لمُنشِد المراسم، مما دفعه إلى غناء “يا إيران، يا إيران”، وهو نشيد وطنى ارتبط منذ زمن طويل بالقومية العلمانية. استجاب الحشد بانسجام، وترددت أصواتهم صدى أغنية كانت قبل أسابيع قليلة تبدو فى غير محلها فى مناسبة دينية رسمية.
تُجسّد هذه اللحظة استراتيجية الدولة المضطربة. فبعد خروجها من حرب ضارية استمرت ١٢ يومًا مع إسرائيل، ولفترة وجيزة مع الولايات المتحدة، تُعانى إيران من هزيمة نكراء لكنها لم تُهزم. وبينما عانت الدفاعات العسكرية والبرنامج النووي، وتُثقل الخسائر المدنية كاهل الأمة، ترى السلطات فى غضب الجمهور فرصةً لإعادة بناء الوحدة.
تحول مدروس
فى جميع أنحاء إيران، تتجلى هذه القومية الجديدة. ففى شيراز، تُصوّر لوحة إعلانية رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو راكعًا أمام الملك الفارسى القديم شابور الأول فى مشهد مستوحى من أفاريز برسيبوليس الأسطورية. وفى ساحة ونك الصاخبة بطهران، يقف الآن آراش الرامي، المؤسس الأسطورى لحدود إيران، فوق شعار يستبدل السهام بالصواريخ، رابطًا مباشرةً الماضى الأسطورى بالسرد العسكرى الحالي.
يرى الخبراء والمعلقون السياسيون هذه التحركات اندماجًا تاريخيًا بين الهوية الشيعية والقومية الإيرانية، مدفوعًا بالهجمات الأخيرة. يقول محسن برهاني، أستاذ القانون فى جامعة طهران: “نشهد ولادة اندماج بين الهوية الشيعية والقومية الإيرانية، وهو نتيجة الهجوم على إيران”.
ويضيف على أنصاري، المدير المؤسس لمعهد الدراسات الإيرانية فى جامعة سانت أندروز، أن هذا الخطاب ليس جديدًا، لكن نطاقه اليوم غير مسبوق. ويشير أنصارى إلى أن “القيادة أدركت أنه عندما تشتد الأمور، يتعين التعمق فى هذا الخطاب القومى لجمع الناس”. ويرى أن الحملة جهد لإحياء التضامن الوطنى فى وقت نادر من الإجماع ضد التدخل الأجنبي.
ردود فعل متباينة
ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية مثيرة للجدل. ويجادل بعض الإيرانيين بأن تصاعد القومية هو رد فعل على عدوان أجنبى أكثر منه دعمًا حقيقيًا للحكومة. حتى منتقدو النظام يترددون الآن فى الاحتجاج، رافضين أن يُنظر إليهم على أنهم متحالفون مع الخصوم الأجانب. وقد اعترفت ليدا، إحدى سكان طهران، قائلةً: “إن قيام دولة بانتهاك أرضى وضرب مواقعنا النووية يتعارض مع كبريائى الوطني… هذا البرنامج النووى ليس حلمى أو طموحي، ولكنه فى النهاية جزء من أرضى وأرضي”. ومع ذلك، يتهم آخرون الحكومة بتصنع الحالة الوطنية. تصفها الطالبة الجامعية شهرزاد بـ”القومية المُهندسة”، مُجادلةً بأن الفخر الوطنى الحقيقى ينبع من النشاط الشعبي، وليس من الحملات التى ترعاها الدولة.
التعبئة الوطنية
سبق أن لجأت القيادة الإيرانية إلى التوجهات القومية خلال الأزمات، كما حدث بعد الحرب الإيرانية العراقية فى ثمانينيات القرن الماضي. ومع ذلك، يُحذر المحللون من أن الموجة الجديدة من الوطنية قد تكون قصيرة الأجل. “عندما تهدأ الأمور ويبدأ الناس بطرح الأسئلة، سيجدون أنه لا يزال هناك انقطاع فى الماء، ولا غاز، ولا كهرباء”، يُحذّر أنصاري، مُشيرًا إلى أن الوحدة الدائمة تتطلب تقدمًا اقتصاديًا ملموسًا، وهو أمر لم تُحققه الحكومة الإيرانية بعد.
فى غضون ذلك، أثار دمج الرموز الدينية والوطنية انتقادات من شخصيات ثقافية. فقد شجبت عائلة توراج نغهبهان، الشاعر المنفى لأغنية “يا إيران، يا إيران”، استيلاء النظام على أغانٍ كانت محظورة سابقًا، مُتهمةً المسئولين بالنفاق: “الآن وقد ضاع منكم ما تُرددونه، تُرددون نفس الأناشيد التى كنتم تلعنونها”.
فى الوقت الذى تسعى فيه إيران للتعافى من جراحها العسكرية والسياسية الأخيرة، يُراهن قادتها على أن مزيجًا جديدًا من الهوية الشيعية والوطنية يُمكن أن يُعينهم على تجاوز الأزمة. ويبقى السؤال مطروحًا: هل هذه الحماسة الوطنية مستدامة أم أنها مجرد درع مؤقتة فى وجه استياء أعمق؟
- للمزيد : تابع بوابة اليوم الاخبارية، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .





