تقارير

هل انتهى حلم الفلسطينيين بدولتهم؟

القاهرة: بوابة اليوم الإخبارية

 

على تلة صغيرة في تجمع جبل البابا البدوي، شرقي مدينة القدس، يجلس رئيس المجلس القروي لعرب الجهالين، أبو عماد الجهالين، في ظل شجرة يحتمي من الشمس الحارقة. من هناك، يطل على القدس التي لا تبعد كثيراً عن ناظريه، لكن يفصلها عنه جدار إسمنتي وحاجز عسكري.

يشير بيده نحو الأفق، ويتحدث أبو عماد بمرارة: “هذا نسيج الممات.. وليس نسيج الحياة كما يسميه الإسرائيليون”. الطريق الذي يتحدث عنه أبو عماد، المسؤول عن كافة التجمعات البدوية في منطقة القدس، والمعروف باسم “نسيج الحياة”، يهدف بحسب السلطات الإسرائيلية لتمكين الفلسطينيين من التنقل بين شمال وجنوب الضفة الغربية دون المرور بالحواجز، لكنه في الواقع سيمنعهم من دخول الشارع الرئيسي رقم 1، الذي يربط جنوب الضفة بوسطها وشمالها.

هدم وإخلاء تمهيداً للعزل

يؤكد أبو عماد أن السلطات الإسرائيلية أصدرت مؤخراً 40 أمر هدم وإخلاء لمنشآت سكنية وزراعية في منطقة العيزرية. الهدف، كما يوضح، هو ربط طريق “نسيج الحياة” بالمشروع المعروف باسم “إي 1″، الذي سيؤدي إلى عزل القدس عن الضفة الغربية وقطع الاتصال الجغرافي بينهما.

ويضيف أن إنشاء الطريق سيتم على حساب عشرات المنازل الفلسطينية، في مناطق مصنفة (ج) و(ب)، ما يعني تشريد عائلات وفقدان أراضٍ واسعة.

ويؤكد أن “إنشاء هذا الطريق يهدد بعزل 22 تجمعاً فلسطينياً، يمتد من محيط مستوطنة “معاليه أدوميم” حتى البحر الميت، في خطوة تمهّد لتهجير السكان قسراً، من خلال حرمانهم من الوصول إلى المدارس والمستشفيات والمرافق العامة في القرى المجاورة”.

2_9_11zon

حلم الدولة

يقول أبو عماد وهو يقف مقابل مستوطنة “معاليه أدوميم” إن المشروع الاستيطاني يمتد من مدخل بلدة العيزرية الشرقي، مروراً بتجمع وادي الجمل وتجمع جبل البابا ووادي الحوض، وصولاً إلى حاجز الزعيم.

ويرى أن إسرائيل تهدف من خلال السيطرة على هذه الأراضي إلى ربط مستوطنة “معاليه أدوميم” بمدينة القدس.

ويضيف أن “هذا الربط يعني عملياً استحالة إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً على هذه الأراضي، إذ سيصبح من المستحيل على أي فلسطيني الانتقال بين شمال الضفة الغربية وجنوبها إلا عبر بوابات إسرائيلية”.

خطة استيطانية بعد ثلاثة عقود

3_10_11zon

وقد شهد مشروع “إي 1” الاستيطاني، المطروح منذ عام 1990، محاولات متكررة للتنفيذ بدأت بخطة أريئيل شارون لبناء 2500 وحدة، وتوسعت لاحقاً في 2004 إلى نحو 4000 وحدة مع مرافق تجارية وسياحية، لكنّ ضغوطًا دوليّة أوقفت التنفيذ.

كما أُعلن ما بين عامي 2009 و2020 عن مراحل جديدة، شملت مصادرة أراضٍ وتصميمات وبناء طرق، غير أن المشروع جُمّد في كل مرة.

يأتي هذا فيما صادق رسمياً، الأربعاء، مجلس التخطيط الأعلى في وحدة الإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية على خطة بناء في المنطقة “إي 1” شرق مدينة القدس، وتشمل بناء أكثر من 3401 وحدة سكنية، إضافة إلى إقامة مستوطنة جديدة باسم “عشآهل” وتشمل إقامة 342 وحدة سكنية ومبانٍ عامة.

وقد صرحت حركة “سلام الآن” بأن المصادقة على بناء استيطاني في “إي 1” تمت بسرعة قصوى، وشددت على أن هذا مخطط “قاتل بشكل خاص لاحتمال تحقيق سلام”.

كما قالت محافظة القدس في بيان، الأربعاء إن السلطات الإسرائيلية سلّمت، على مدار الأشهر الماضية، عشرات الإخطارات بالهدم والإخلاء للمواطنين، خاصة في بلدتي حزما وجبع، ضمن مخطط استيطاني أوسع يهدف إلى عزل البلدات الفلسطينية عن بعضها البعض وربط المستوطنات الإسرائيلية بشبكة طرق خاصة تمنع الفلسطينيين من استخدامها، بحسب ما صرحت المحافظة.

وأوضحت محافظة القدس أن الشارع الجديد، إلى جانب شبكة الطرق الالتفافية الأخرى في محيط القدس والضفة الغربية، “يهدف إلى تقطيع أوصال المناطق الفلسطينية، وتحويل القرى والبلدات إلى جيوب معزولة يسهل السيطرة عليها، ما يعني حرمان آلاف المواطنين من حرية الحركة والتنقل، وإضعاف مقومات الحياة اليومية في هذه المناطق”.

4_11_11zon

وأعلن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الأسبوع الماضي، أن المخطط الاستيطاني في “إي 1” “يربط فعلياً مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس، ويقطع التواصل العربي بين رام الله وبيت لحم، ويُعد المسمار الأخير في نعش فكرة الدولة الفلسطينية”.

وحاولت إسرائيل تنفيذ هذا المخطط منذ تسعينيات القرن الماضي، لكن من دون نجاح بسبب معارضة دولية، وبينها معارضة أمريكية.

غير أن بنيامين نتنياهو بعد عودته إلى رئاسة الحكومة، أوعز إلى تنفيذ المخطط في عام 2012، وبعد ذلك في عام 2020، حيث تمت المصادقة على إيداعه، تمهيداً لتنفيذه.

في غضون ذلك، صادق وزير المالية سموتريتش، الأربعاء، على بناء 3,401 وحدة سكنية ضمن المخطط الاستيطاني في منطقة “إي 1” شرقي القدس، بعد أكثر من 20 عاماً من تجميد المشروع تحت ضغط دولي.

واعتبر سموتريتش القرار “إنجازاً تاريخياً”، قائلاً إنه يربط فعلياً مستوطنة “معاليه أدوميم” بالقدس، ويفصل التواصل العربي بين رام الله وبيت لحم، و”يدفن فكرة إقامة دولة فلسطينية”.

رسائل سياسية ودعم أمريكي

خلال تصريحاته، شكر سموتريتش الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والسفير مايك هاكابي على دعمهما، مؤكداً أن الضفة الغربية وفق رؤيته “جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل التي وعد بها الله”. كما أعلن أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يدعمه في خطط إدخال مليون مستوطن جديد إلى الضفة.

توسع استيطاني ضخم

5_12_11zon

بحسب حركة “السلام الآن” الإسرائيلية، فإن الوحدات السكنية الجديدة تمثل زيادة بنسبة 33 في المئة، في حجم مستوطنة معاليه أدوميم، التي يبلغ عدد سكانها حالياً نحو 38 ألف نسمة.

المشروع يربط المنطقة السكنية بالمناطق الصناعية المحيطة، ويمهد لتوسيع السيطرة الإسرائيلية على مساحات واسعة من الضفة، وفقاً للـ”سلام الآن”.

وقالت حركة “السلام الآن”، التي ترصد النشاط الاستيطاني، إن وزارة الإسكان الإسرائيلية، وافقت على بناء نحو 3300 منزل في “معاليه أدوميم”. وجاء في بيانها: “خطة (إي 1) قاتلة لمستقبل إسرائيل ولأي فرصة لتحقيق حل الدولتين السلمي. نحن نقف على حافة الهاوية، والحكومة تدفعنا بسرعة نحوها”.

إدانات فلسطينية وعربية

الخارجية الفلسطينية دانت المشروع، واعتبرته “استهدافاً لوحدة الأراضي الفلسطينية وضرباً لفرصة إقامة الدولة، وتقويض وحدتها الجغرافية والسكانية، وتكريس تقسيم الضفة إلى مناطق معزولة بعضها عن بعض، تغرق في محيط استعماري ليسهل استكمال ضمها”.

ورفضت الخارجية الأردنية بدورها الخطة، وقالت إن الأردن يرفض تماماً الخطة الاستيطانية الإسرائيلية بوصفها اعتداء “على حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تجسيد دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو/حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.

أما مصر، فدانت المشروع بشدة، مؤكدة أنه “انتهاك صارخ للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن”.

زر الذهاب إلى الأعلى